✍ إبراهيم ناصر الجرفي ..
العدالة منظومة متكاملة ، فهي تشمل جميع جوانب الحياة ، السياسية والاجتماعية والاقتصادية …الخ ، ولا يمكن تجزئتها وفق أهواء ومزاجات الحكام ، حيث نشاهد بعض الدول ، وهي تدَّعي تطبيق العدالة في مجتمعاتها ، رغم أنها تحرم تلك المجتمعات من حقوقها السياسية ، وتحرمها من المشاركة الفاعلة في العمل السياسي ، وهذا يحصل بشكل واضح في العديد من الآنظمة الحاكمة على مستوى العالم ، والتي قد توفر لمجتمعاتها بعض صور العدالة الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية ، لكنها تحرمها من العدالة السياسية ‘ وهذه هي العدالة الجزئية التي لا ترقى إلى أن تصل إلى درجة الكمال ، إلا عندما يتم تطبيق العدالة في كل مجالات الحياة ، وفي مقدمتها المجال السياسي ، فلا عدالة كاملة بدون العدالة السياسية ، لأن العدالة السياسية هي الركيزة الأساسية لكل صور العدالة الأخرى في نطاق حدود الدول ..!!
ويتوقف تطبيق العدالة داخل حدود الدول ، على تطبيق العدالة الشاملة على نطاق المجتمع الٱنساني ، فالعملية متسلسلة ومترابطة ، فإذا تمكن بني الإنسان من إنشاء قانون دولي عادل ، فسوف يترتب على ذلك تطبيق العدالة داخل نطاق كل الدول المنضوية في نطاق المجتمع الدولي ، وتطبيق العدالة على مستوي الدول ، سوف يترتب عليه تطبيق العدالة في نطاق المجتمعات المحلية ، وتطبيق العدالة في نطاق المجتمعات المحلية ، سوف يترتب عليه تطبيق العدالة الأسرية ، وتطبيق العدالة الآسرية سوف يترتب عليه حصول الفرد على العدالة الكاملة والشاملة ..!!
وهذه هي الصورة المثالية لتطبيق العدالة ، وهي التي نص عليها القرآن الكريم ، قال تعالى (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )) ، أمر واضح وصريح ، يحمل صفة الشمول والعمومية ، على كل المستويات الفردية والأسرية ، والمجتمعية ، والدولية ، والأممية ، وبدون هذا الشمول والعموم ، ستظل العدالة ناقصة وغائبة . وغياب العدالة ونقصها ، يترتب عليه ظهور الظلم ، وإهدار الحقوق والحريات على كل المستويات ، وهذا ما هو حاصل اليوم على مستوى المجتمع الإنساني ، الذي يعيش على وجه هذه الأرض ..!!
فعلى المستوى العالمي والأممي ، يتجلى ظهور الظلم ، وغياب العدالة ، في مقررات ولوائح منظمة الأمم المتحدة ، التي هي بمثابة الحكومة العالمية ، من خلال إعطاء الأفضلية لبعض الدول بحسب قوتها ، على حساب بقية الدول الضعيفة ، وخير دليل على ذلك منح الدول العظمى العضوية الدائمة في مجلس الأمن ، ومنحها حق النقض ( الفيتو ) ‘ طبعاً هذا التصنيف تم إقراره بموجب القوة والضعف ، وهو تصنيف يتعارض تماماً مع أبسط معايير العدالة ، بل إنه ينسف كل ما له علاقة بالعدالة نسفاً ، ويقوض أركانها ، ويؤسس للظلم في أبشع صوره ، وقد ترتب على ذلك هدم العدالة العالمية والأممية ، وترتب على ذلك هدم العدالة داخل حدود الدول وبالذات الضعيفة والفقيرة ، وترتب على ذلك هدم أسس العدالة المجتمعية والعدالة الأسرية ، وصولاً إلى هدم أبسط مقومات العدالة الفردية ..!!
وما يعيشه المجتمع الإنساني اليوم ، من ظلم وتظالم ، ومن إهدار لسيادة وكرامة الكثير من الدول ، ومن إهدار لحقوق الكثير من المجتمعات ، ومن إهدار لحريات وحقوق الكثير الكثير من الناس ، هو النتيجة الطبيعية ، لهدم أسس العدالة العالمية . وفي ظل هكذا نظام عالمي قائم على غياب العدالة الشاملة ، ها هو الظلم يستشري على كل المستويات ‘ وكل يوم ونطاقه يتسع أكثر وأكثر ، ومساحات العدالة تتقلص كل يوم أكثر وأكثر ، لصالح القوي وعلى حساب الضعيف ، ولصالح الغني وعلى حساب الفقير ..!!
وما يحدث في العالم اليوم من كوارث بشرية ، وحروب وصراعات ، وتدَخُّل القوي في شئون الضعيف ، والغني في شئون الفقير ، وإتساع دائرة الفقر على حساب تقلص دائرة الطبقة الوسطى ، وما يحدث من تفشي للظواهر السلبية ، من إرهاب ، وعنف ، وتطرف ، وتشدد ، وكراهية ، هي الإفرازات الطبيعية للظلم والتظالم ، وغياب العدالة العالمية الشاملة ..!!